الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.أحكام اختصت بها همزة الاستفهام: فَمِنْهَا: كَوْنُ الْهَمْزَةِ لَا يُسْتَفْهَمُ بِهَا حَتَّى يَهْجِسَ فِي النَّفْسِ إِثْبَاتُ مَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ بِخِلَافِ (هَلْ) فَإِنَّهُ لَا تُرَجُّحَ عِنْدَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِهِمْ. وَمِنْهَا: اخْتِصَاصُهَا بِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّقْرِيرَ لَا يَكُونُ بـ: (هل) وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: إِنْ طُلِبَ بِالِاسْتِفْهَامِ تَقْرِيرٌ أَوْ تَوْبِيخٌ أَوْ إِنْكَارٌ أَوْ تَعَجُّبٌ كَانَ بِالْهَمْزَةِ دُونَ (هَلْ) وَإِنْ أُرِيدَ الْجَحْدُ كَانَ بِهَلْ وَلَا يَكُونُ بِالْهَمْزَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِإِنْكَارِ إِثْبَاتِ مَا يَقَعُ بَعْدَهَا كَقَوْلِكَ: أَتُضْرِبُ زَيْدًا وَهُوَ أَخُوكَ قَالَ تَعَالَى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وَلَا تَقَعُ (هَلْ) هَذَا الْمَوْقِعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} فَلَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا نَفْيٌ لَهُ مَنْ أَصْلِهِ وَالْمَمْنُوعُ مِنْ إِنْكَارِ إِثْبَاتِ مَا وَقَعَ بَعْدَهَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا يَقَعُ الِاسْمُ مَنْصُوبًا بَعْدَهَا بِتَقْدِيرِ نَاصِبٍ أَوْ مَرْفُوعًا بِتَقْدِيرِ رَافِعٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِكَ: أَزَيْدًا ضرب وَأَزَيْدٌ قَامَ وَلَا تَقُولُ: هَلْ زَيْدًا ضَرَبْتَ وَلَا هَلْ زَيْدٌ قَامَ إِلَّا عَلَى ضَعْفٍ. وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: لَيْسَ فِي أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ ما إذا اجتمع بعده الاسم والفعل بليه الِاسْمُ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ إِلَّا الْهَمْزَةُ فَتَقُولُ: أَزَيْدٌ قَامَ وَلَا تَقُولُ: هَلْ زَيْدٌ قَامَ إِلَّا فِي ضَرُورَةٍ بَلِ الْفَصِيحُ هَلْ قَامَ زَيْدٌ وَمِنْهَا أَنَّهَا تَقَعُ مَعَ أَمِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَا تَقَعُ مَعَ هَلْ وَأَمَّا الْمُنْقَطِعَةُ فَتَقَعُ فيهما جَمِيعًا فَإِذَا قُلْتَ: أَزَيْدٌ عِنْدِكَ أَمْ عَمْرٌو فَهَذَا الْمَوْضِعُ لَا تَقَعُ فِيهِ هَلْ مَا لَمْ تَقْصِدْ إِلَى الْمُنْقَطِعَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُدْخِلُ عَلَى الشَّرْطِ تَقُولُ: أَإِنْ أَكْرَمْتَنِي أَكْرَمْتُكَ وَأَإِنْ تَخْرُجْ أَخْرُجْ مَعَكَ أَإِنْ تَضْرِبْ أَضْرِبْ؟ وَلَا تَقُولُ: هَلْ إِنْ تَخْرُجْ أَخْرُجْ مَعَكَ؟ وَمِنْهَا: جَوَازُ حَذْفِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وتلك نعمة تمنها} وقوله تعالى: {هذا ربي} فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: {سَوَاءٌ عليهم أأنذرتهم}. وَمِنْهَا: زَعَمَ ابْنُ الطَّرَاوَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أَبَدًا إِلَّا مُعَادَلَةً أَوْ فِي حُكْمِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَتَقُولُ: أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ قَعَدَ؟ وَيَجُوزُ أَلَّا يُذْكَرَ الْمُعَادِلُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ ذِكْرِ الضِّدِّ. وَرَدَّ عَلَيْهِ الصَّفَّارُ وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: هَلْ قَامَ زَيْدٌ؟ فَالْمَعْنَى هَلْ قَامَ أَمْ لَمْ يَقُمْ؟ لِأَنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا يَطْلُبُ الْيَقِينَ وَذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ عَزِيزٌ فِي كَلَامِهِمْ لَا يَأْتُونَ لَهَا بِمُعَادِلٍ فَخَطَأٌ بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ قَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عبثا} {أفرأيت الذي تولى} {أفرأيتم اللات والعزى} {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَمِنْهَا: تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَاوِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ فَتَقُولُ: أَفَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَوَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} وقال تعالى: {أوكلما عاهدوا عهدا} وَقَالَ تَعَالَى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ به} فَتُقَدَّمُ الْهَمْزَةُ عَلَى حُرُوفِ الْعَطْفِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَكَانَ الْقِيَاسُ تَأْخِيرَهَا عَنِ الْعَاطِفِ فَيُقَالُ: فَأَلَمْ أَكْرِمْكَ؟ وَأَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى سَائِرِ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وفيكم رسوله} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} وقوله تعالى: {فأين تذهبون} فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخَّرَ الْعَاطِفُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ لِأَنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْعَاطِفُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا فِي الْهَمْزَةِ لِأَنَّهَا أَصْلُ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ فَأَرَادُوا تَقْدِيمَهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ. وَالزَّمَخْشَرِيُّ اضْطَرَبَ كَلَامُهُ فَتَارَةً يَجْعَلُ الْهَمْزَةَ فِي مِثْلِ هَذَا دَاخِلَةً عَلَى مَحْذُوفٍ عُطِفَ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَيُقَدِّرُ بَيْنَهُمَا فِعْلًا مَحْذُوفًا تَعْطِفُ الْفَاءُ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهَا وَتَارَةً يَجْعَلُهَا مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَاطِفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْأَوْلَى. وَقَدْ رُدَّ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّ ثَمَّ مَوَاضِعَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَقْدِيرُ فِعْلٍ قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَمَنْ ينشأ في الحلية} {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحق} {أفمن هو قائم}. وَقَالَ ابْنُ خَطِيبٍ زَمَلْكَا: الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَدَّرَ مَحْذُوفٌ بَعْدَ الْهَمْزَةِ قَبْلَ الْفَاءِ تَكُونُ الْفَاءُ عَاطِفَةً عَلَيْهِ فَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَإِنْ مات} لَوْ صُرِّحَ بِهِ لَقِيلَ: (أَتُؤْمِنُونَ بِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ فَإِنْ مَاتَ ارْتَدَدْتُمْ فَتُخَالِفُوا سُنَنَ اتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكُمْ فِي ثَبَاتِهِمْ عَلَى مُلْكِ أَنْبِيَائِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ)؟ وَهَذَا مَذْهَبُ الزَّمَخْشَرِيِّ. فَائِدَةٌ: زَعَمَ ابْنُ سِيدَهْ فِي كَلَامِهِ عَلَى إِثْبَاتِ الْجُمَلِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَقْبَلًا. وَرَدَّ عَلَيْهِ الْأَعْلَمُ وَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدٌ: هَلْ قَامَ زَيْدٌ أَمْسُ؟ وَهَلْ أَنْتَ قَائِمٌ أَمْسُ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} فهذا كله ماض غير آت. .الشرط: .الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الْمُجَازَاةُ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ: وَثَانِيهُمَا: قَدْ تَكُونُ اسْمِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ فِعْلِيَّةً جَازِمَةً وَغَيْرَ جَازِمَةٍ أَوْ ظَرْفِيَّةً أَوْ شَرْطِيَّةً كما يقال: {فأولئك يدخلون الجنة} {شرح الله صدره للإسلام} {فأت بآية} {فسوف تراني} {إلينا مرجعهم} {فمن تبع هداي}. فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّرْطِ اتَّحَدَتَا جُمْلَةً وَاحِدَةً نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يدخلون الجنة} وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام} وَقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا} وقوله: {فإن استقر مكانه فسوف تراني} وَقَوْلِهِ: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نتوفينك فإلينا مرجعهم} وَقَوْلِهِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هداي فلا يضل ولا يشقى} فَالْأُولَى مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَازَاةِ تُسَمَّى شَرْطًا وَالثَّانِيَةُ تُسَمَّى جَزَاءً وَيُسَمِّي الْمَنَاطِقَةُ الْأَوَّلَ مُقَدَّمًا وَالثَّانِيَ تَالِيًا. فَإِذَا انْحَلَّ الرِّبَاطُ الْوَاصِلُ بَيْنَ طَرَفَيِ المجازاة عادة الْكَلَامُ جُمْلَتَيْنِ كَمَا كَانَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيِّ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمُنْتَظِمَةُ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ. قُلْنَا: قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى: الْعِبْرَةُ فِي هَذَا بِالتَّالِي إِنَّ كان التالي قبل الانتظام جازما كان هَذِهِ الشُّرْطِيَّةُ جَازِمَةً-أَعْنِي خَبَرًا مَحْضًا- وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ تُوصَلَ بِهَا الْمَوْصُولَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة} وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا لَمْ تَكُنْ جَازِمَةً بَلْ إِنْ كَانَ التَّالِي أَمْرًا فَهِيَ فِي عِدَادِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وَإِنْ كَانَتْ رَجَاءً فَهِيَ فِي عِدَادِ الرَّجَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} أَيْ: فَهَذَا التَّسْوِيفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ فَإِنْ جَعَلْتَ سَوْفَ بِمَعْنًى أَمْكَنَ كَانَ الْكَلَامُ خَبَرًا صِرْفًا فَأَمَّا الْفَاءُ الَّتِي تَلْحَقُ التَّالِي مُعَقِّبَةً فَلِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْتَبِطَ التَّالِي بِذَاتِهِ ارْتِبَاطًا وَذَلِكَ إِنْ كَانَ افْتُتِحَ بِغَيْرِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ فَيُجَازَى بِهِ. وَكَذَلِكَ الْحَرْفُ إِنْ كَانَ مُفْتَتَحًا بِالْأَمْرِ كقوله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يُنَاسِبُ مَعْنَاهُ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَ مُفْتَتَحًا بِفِعْلٍ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ ارْتَبَطَ بِذَاتِهِ نَحْوُ قَوْلِكَ: إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ وَنَحْوُ قوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يؤخذ منها} لأن هَذِهِ كَالْجُزْءِ مِنَ الْفِعْلِ وَتَخَطَّاهَا الْعَامِلُ وَلَيْسَتْ كَـ: (إِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وقوله: {ومن عاد فينتقم الله منه}. قُلْنَا الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْمُولًا عَلَى الِاسْمِ كَمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ (فَأَنْتُمَا قَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) وَ: (فَهُوَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) يَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أَنَّ صَغَتْ لَوْ جُعِلَ نَفْسُهُ الْجَزَاءَ لَلَزِمَ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنَ الشَّرْطِ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ وَهَذَا غَيْرُ مُسَوَّغٍ هُنَا وَلَوْ جَازَ لَجَازَ أَنْ تَقُولَ: أَنْتُمَا إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ صَغَتْ أَوْ فَصَغَتْ قُلُوبُكُمَا لَكِنِ الْمَعْنَى: إِنْ تَتُوبَا فَبَعْدَ صَغْوٍ مِنْ قُلُوبِكُمَا لِيُتَصَوَّرَ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالُ مَعَ بَقَاءِ دَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْمُمْكِنِ وَأَنَّ يَنْتَقِمُ لَوْ جُعِلَ وَحْدَهُ جَزَاءً لَمْ يَدُلْ عَلَى تَكْرَارِ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْآنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ. .الثَّانِيَةُ: أَصْلُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَنْ يَتَوَقَّفَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ: وَقَدْ أَوْرَدَ على هذا آيات كريمات: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} وَهُمْ عِبَادُهُ عَذَّبَهُمْ أَوْ رَحِمَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم} وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ غَفَرَ لَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُمْ وَقَوْلُهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فقد صغت قلوبكما} وَصَغْوُ الْقُلُوبِ هُنَا لِأَمْرٍ قَدْ وَقَعَ فَلَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى ثُبُوتِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ أَجْوِبَةً وَإِنَّمَا جَاءَتْ عَنِ الْأَجْوِبَةِ الْمَحْذُوفَةِ لِكَوْنِهَا أَسْبَابًا لَهَا. فَقَوْلُهُ: {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الْجَوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ: فَتَحَكَّمْ فِيمَنْ يَحِقُّ لَكَ التَّحَكُّمُ فِيهِ وَذَكَرَ الْعُبُودِيَّةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ القدرة. وقوله: {وإن تغفر} فَالْجَوَابُ: فَأَنْتَ مُتَفَضِّلٌ عَلَيْهِمْ بِأَلَّا تُجَازِيَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فكمالك غي مُفْتَقِرٍ إِلَى شَيْءٍ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْفَى: اعْلَمْ أَنَّ الْمُجَازَاةَ لَا يَجِبُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مَوْقُوفًا عَلَى الشَّرْطِ أَبَدًا وَلَا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مَوْقُوفًا عَلَى الْجَزَاءِ أَبَدًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَلَا أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ الشَّرْطِ دَائِمًا إِلَى الْجَزَاءِ نِسْبَةَ السَّبَبِ إِلَى الْمُسَبَّبِ بَلِ الْوَاجِبُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ بِحَيْثُ إِذَا فُرِضَ حَاصِلًا لَزِمَ مَعَ حُصُولِهِ حُصُولُ الْجَزَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَزَاءُ قَدْ يَقَعُ لَا مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ الشَّرْطِ كَقَوْلِ الطَّبِيبِ مَنِ اسْتَحَمَّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ احتقنت الحرارة باطن حسده لِأَنَّ احْتِقَانَ الْحَرَارَةِ قَدْ يَكُونُ لَا عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا. وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ كَالْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ أَوْ مُسْتَحِيلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العابدين}. وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا فِي الْجَزَاءِ وَوَصْلَةً إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أجوركم} أَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِ: {مَا أَصَابَكَ من حسنة فمن الله} أَوْ كَانَ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ فَلَا يَقَعُ إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّلَالَةِ عَلَى اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فلن يهتدوا إذا أبدا} إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَمُفْضِيَةً إِلَيْهِ وَلَا أَنْ يَكُونَ الضَّلَالُ مُفْضِيًا إِلَى الدَّعْوَةِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لكم أعداء} وَعَلَى هَذَا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قرح مثله} فَإِنَّ التَّأْوِيلَ: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَمَعَ اعْتِبَارِ قَرْحٍ قَدْ مَسَّهُمْ قَبْلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
|